رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

بلدات عالمية غريبة (1-2)

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هناك تجربة جميلة لا يمكنني نسيانها حدثت معي قبل 26 عاما.. ففي ذلك الوقت كنا ثلاثة أصدقاء ندرس اللغة الانجليزية في جامعة هاملن في ولاية مينسوتا.. كنا جميعنا يحمل اسم فهد (الهذيلي والحربي والأحمدي).. عشنا في عاصمة الولاية خلال فصل الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة حتى 20 تحت الصفر.. لم يتحمل الأول برودة الطقس فهاجر إلى فلوريدا، فيما انتقل الثاني إلى بلدة تدعى وينونا (والبلدة بالمناسبة أكبر من القرية وأصغر من المدينة) في حين بقيت أنا في العاصمة الكبيرة "سانت بول"..
وكان صاحبي في وينونا يطلب مني دائما زيارته لرؤية جنة الله على الأرض أثناء الطريق..
وأخيرا لبيت دعوته وذهبت إليه خلال إحدى الإجازات.. كان فصل الصيف قد حل وبمجرد خروجي عن العاصمة رأيت مظاهر جمال طبيعية لم أتصور وجودها على كوكب الأرض (ويكفي الإشارة أن مينسوتا تلقب بولاية العشرة آلاف بحيرة ومنها ينبع نهر المسيسبي).
وحين دخلت وينونا اكتشفت أنها بلدة جميلة وهادئة تحيط ببحيرة زرقاء إحاطة السوار بالمعصم. ورغم قلة عدد سكانها (17 ألفا في ذلك الوقت) كانت تملك جامعة ضخمة تشكل عماد البلدة ويعمل بها معظم سكانها ما بين أساتذة وموظفين وطلاب يأتون إليها من كل مكان.. وبما أنني وصلت خلال "الإجازة الجامعية" كانت المدينة شبه خالية من سكانها (كون قسما كبيرا من الطلاب والمدرسين عادوا لمدنهم الأخرى)، وهكذا كنت أنا وصديقي نتجول في الشوارع أو نركض حول البحيرة وكأنها ملكنا وحدنا.. والأغرب من هذا أن صديقي كان محبوبا ومعروفا من معظم الناس هناك (نظرا لصغر البلدة ذاتها) وبالتالي كنت كثيرا ما أدخل معه بيوت أشخاص تركوا مفاتيح منازلهم في عهدته!
والحقيقة أن وينونا كانت مجرد مقدمة (طالت) لمقال نويت كتابته عن بلدات غريبة أو جميلة زرتها بنفسي..
أما نموذجنا الثاني فبلدة هولشتات في جنوب النمسا التي عدت إليها في سبتمبر 2014 (بعد 13 عاما من زيارتي الأولى) وفوجئت هذه المرة بكثرة السياح الصينيين فيها.. ويعود تاريخ هولشتات الى 7 آلاف عام (أي أقدم من الحضارة الفرعونية) وتضمها اليونسكو إلى تراثها العالمي.. وبسبب ضيق مساحتها وانحصارها بين البحيرة والجبل لم تعد تملك (من مئات السنين) مساحة تكفي لدفن الموتى.. وهكذا كانت كل عام تستخرج الرفات الأقدم من مقبرة الكنيسة وتخزنها في غرفة خاصة تدعى بيت العظام (شاهدها في حسابي على الانستجرام)..
الغريب أكثر أن الصينيين لم يكتفوا بغزوها بل وعمدوا الى تقليدها وبناء شبيه لها في مقاطعة جونج دانج اعتمادا على 7000 صورة قدمها السياح أنفسهم لشركة منمتالز التي شيدتها "طبق الأصل" لدرجة أثارت حنق أهالي هولشتات النمساوية (وتدعى اليوم تشينا - هولشتات)..
وحين زرت النرويج في مايو الماضي لم يسمح وقتي لزيارة بلدة لونجييرباين في الدائرة القطبية الشمالية.. ففضلت تمديد إقامتي في مدينة بيرجن الجميلة لرؤية المزيد من الأخاديد المائية الرائعة في شرق البلاد (والتي تعد واحدة من أعظم عجائب الطبيعة على الأرض ويمكنك رؤيتها أيضا بإدخال هاتين الكلمتين في جوجل norway fjords)..
وما سهل علي اتخاذ هذا القرار أن بلدة لونجييرباين ذاتها لا تستحق الزيارة وتستمد شهرتها من أنها أبعد بلدة يسكنها البشر في شمال الكرة الأرضية وبالتالي يمكن القول إنها تملك أبعد بنك وأبعد مقهى وأبعد مدرسة وأبعد صراف في شمال الكرة الأرضية..
أما الغريب (أكثر من تمتعها بليل ونهار يمتدان لستة أشهر) فهو عدم امتلاكها مقابر لدفن الموتى.. فكل من يموت فيها يتم نقله بالطائرة الى جنوب البلاد كي يدفن كون البلدة باردة لدرجة أن الأموات لا يتحللون في تربتها ويبقون كما هم الأمر الذي يحتم نقلهم الى مناطق دافئة يختارونها بأنفسهم قبل وفاتهم!
وللمقال بقية.. نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up